فصل: قَاعِدَةٌ فِي الْإِفْرَادِ وَالْجَمْعِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الإتقان في علوم القرآن (نسخة منقحة)



.قَاعِدَةٌ فِي الْإِفْرَادِ وَالْجَمْعِ:

مِنْ ذَلِكَ (السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بَيْنَ الْإِفْرَادِ وَالْجَمْعِ وَالسِّرُّ فِي ذَلِكَ) حَيْثُ وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ ذِكْرُ الْأَرْضِ فَإِنَّهَا مُفْرَدَةٌ، وَلَمْ تُجْمَعْ- بِخِلَافِ السَّمَاوَاتِ- لِثِقَلِ جَمْعِهَا وَهُوَ أَرَضُونَ، وَلِهَذَا لَمَّا أُرِيدَ ذِكْرُ جَمِيعِ الْأَرَضِينَ قَالَ: {وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطَّلَاق: 12].
وَأَمَّا السَّمَاءُ: فَذُكِرَتْ تَارَةً بِصِيغَةِ الْجَمْعِ، وَتَارَةً بِصِيغَةِ الْإِفْرَادِ، لِنُكَتٍ تَلِيقُ بِذَلِكَ الْمَحَلِّ، كَمَا أَوْضَحْتُهُ فِي أَسْرَارِ التَّنْزِيلِ وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ حَيْثُ أُرِيدَ الْعَدَدُ أُتِيَ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ الدَّالَّةِ عَلَى سَعَةِ الْعَظَمَةِ وَالْكَثْرَةِ، نَحْوَ: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ} [الصَّفّ: 1] أَيْ: جَمِيعُ سُكَّانِهَا عَلَى كَثْرَتِهِمْ. {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ} [الْجُمُعَة: 1] أَيْ: كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى اخْتِلَافِ عَدَدِهَا. {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النَّمْل: 65] إِذِ الْمُرَادُ نَفْيُ عِلْمِ الْغَيْبِ عَنْ كُلِّ مَنْ هُوَ فِي وَاحِدَةٍ مِنَ السَّمَاوَاتِ.
وَحَيْثُ أُرِيدَ الْجِهَةُ أُتِيَ بِصِيغَةِ الْإِفْرَادِ، نَحْوَ: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ} [الذَّارِيَات: 22]، {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ} [الْمُلْك: 16] أَيْ: مِنْ فَوْقِكُمْ.
وَمِنْ ذَلِكَ (الرِّيحُ) ذُكِرَتْ مَجْمُوعَةً وَمُفْرَدَةً أَيْ فِي الْقُرْآنِ وَالسِّرّ فِي ذَلِكَ، فَحَيْثُ ذُكِرَتْ فِي سِيَاقِ الرَّحْمَةِ جُمِعَتْ، أَوْ فِي سِيَاقِ الْعَذَابِ أُفْرِدَتْ.
أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ مِنَ الرِّيَاحِ فَهُوَ رَحْمَةٌ، وَكُلُّ شَيْءٍ فِيهِ مِنَ الرِّيحِ فَهُوَ عَذَابٌ.
وَلِهَذَا وَرَدَ فِي الْحَدِيث: «اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رِيَاحًا، وَلَا تَجْعَلْهَا رِيحًا».
وَذُكِرَ فِي حِكْمَةِ ذَلِكَ: أَنَّ رِيَاحَ الرَّحْمَةِ مُخْتَلِفَةُ الصِّفَاتِ وَالْمَهَبَّاتِ وَالْمَنَافِعِ، وَإِذَا هَاجَتْ مِنْهَا رِيحٌ أُثِيرَ لَهَا مِنْ مُقَابِلِهَا مَا يَكْسِرُ سَوْرَتَهَا، فَيَنْشَأُ مِنْ بَيْنِهِمَا رِيحٌ لَطِيفَةٌ تَنْفَعُ الْحَيَوَانَ وَالنَّبَاتَ؛ فَكَانَتْ فِي الرَّحْمَةِ رِيَاحًا. وَأَمَّا فِي الْعَذَابِ فَإِنَّهَا تَأْتِي مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ وَلَا مُعَارِضَ لَهَا وَلَا دَافِعَ.
وَقَدْ خَرَجَ عَنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ يُونُسَ: {وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ} [يُونُسَ: 22] وَذَلِكَ لِوَجْهَيْن:
لَفْظِيٌّ: وَهُوَ الْمُقَابَلَةُ، فِي قَوْلِه: {جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ} وَرُبَّ شَيْءٍ يَجُوزُ فِي الْمُقَابَلَةِ وَلَا يَجُوزُ اسْتِقْلَالًا، نَحْوَ: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} [آلِ عِمْرَانَ: 54].
وَمَعْنَوِيٌّ: وَهُوَ أَنَّ تَمَامَ الرَّحْمَةِ هُنَاكَ إِنَّمَا تَحْصُلُ بِوَحْدَةِ الرِّيحِ لَا بِاخْتِلَافِهَا، فَإِنَّ السَّفِينَةَ لَا تَسِيرُ إِلَّا بِرِيحٍ وَاحِدَةٍ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ، فَإِنِ اخْتَلَفَتْ عَلَيْهَا الرِّيَاحُ كَانَ سَبَبَ الْهَلَاكِ، وَالْمَطْلُوبُ هُنَا رِيحٌ وَاحِدَةٌ، وَلِهَذَا أُكِّدَ هَذَا الْمَعْنَى بِوَصْفِهَا بِالطَّيِّبِ. وَعَلَى ذَلِكَ أَيْضًا جَرَى قَوْلُهُ: {إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ} [الشُّورَى: 33].
وَقَالَ ابْنُ الْمُنَيِّر: إِنَّهُ عَلَى الْقَاعِدَةِ؛ لِأَنَّ سُكُونَ الرِّيحِ عَذَابٌ وَشِدَّةٌ عَلَى أَصْحَابِ السُّفُنِ.
وَمِنْ ذَلِكَ إِفْرَادُ (النُّورِ) وَجَمْعُ (الظُّلُمَاتِ) وَإِفْرَادُ (سَبِيلِ الْحَقِّ) وَجَمْعُ (سُبُلِ الْبَاطِلِ أَيْ فِي الْقُرْآنِ وَالسِّرِّ فِي ذَلِكَ) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الْأَنْعَام: 153]؛ لِأَنَّ طَرِيقَ الْحَقِّ وَاحِدَةٌ، وَطَرِيقَ الْبَاطِلِ مُتَشَعِّبَةٌ مُتَعَدِّدَةٌ. وَالظُّلُمَاتُ بِمَنْزِلَةِ طُرُقِ الْبَاطِلِ، وَالنُّورُ بِمَنْزِلَةِ طَرِيقِ الْحَقِّ، بَلْ هُمَا هُمَا.
وَلِهَذَا وَحَّدَ وَلِيَّ الْمُؤْمِنِينَ، وَجَمَعَ أَوْلِيَاءَ الْكُفَّارِ- لِتَعَدُّدِهِمْ- فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ} [الْبَقَرَة: 257].
وَمِنْ ذَلِكَ إِفْرَادُ (النَّاِرِ) حَيْثُ وَقَعَتْ، وَ(الْجَنَّةُ) وَقَعَتْ مَجْمُوعَةً وَمُفْرَدَةً؛ أَيْ فِي الْقُرْآَنِ وَالسَّرِّ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ الْجِنَانَ مُخْتَلِفَةُ الْأَنْوَاعِ، فَحَسُنَ جَمْعُهَا، وَالنَّارَ مَادَّةٌ وَاحِدَةٌ. وَلِأَنَّ الْجَنَّةَ رَحْمَةٌ وَالنَّارَ عَذَابٌ، فَنَاسَبَ جَمْعُ الْأُولَى وَإِفْرَادُ الثَّانِيَةِ، عَلَى حَدِّ الرِّيَاحِ وَالرِّيحِ.
وَمِنْ ذَلِكَ إِفْرَادُ (السَّمْعِ) وَجَمْعُ (الْبَصَرِ أَيْ فِي الْقُرْآنِ وَالسِّرِّ فِي ذَلِكَ)؛ لِأَنَّ السَّمْعَ غَلَبَ عَلَيْهِ الْمَصْدَرِيَّةُ فَأُفْرِدَ، بِخِلَافِ الْبَصَر: فَإِنَّهُ اشْتُهِرَ فِي الْجَارِحَةِ؛ وَلِأَنَّ مُتَعَلِّقَ السَّمْعِ الْأَصْوَاتُ وَهِيَ حَقِيقَةٌ وَاحِدَةٌ، وَمُتَعَلِّقَ الْبَصَرِ الْأَلْوَانُ وَالْأَكْوَانُ وَهِيَ حَقَائِقُ مُخْتَلِفَةٌ، فَأَشَارَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا إِلَى مُتَعَلِّقِهِ.
وَمِنْ ذَلِكَ إِفْرَادُ (الصَّدِيقِ) وَجَمْعُ (الشَّافِعِينَ أَيْ فِي الْقُرْآنِ وَالسِّرِّ فِي ذَلِكَ) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ} [الشُّعَرَاء: 100- 101]. وَحِكْمَتُهُ كَثْرَةُ الشُّفَعَاءِ فِي الْعَادَةِ، وَقِلَّةُ الصَّدِيقِ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا امْتُحِنَ بِإِرْهَاقِ ظَالِمٍ، نَهَضَتْ جَمَاعَةٌ وَافِرَةٌ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ لِشَفَاعَتِهِ رَحْمَةً، وَإِنْ لَمْ يَسْبِقْ لَهُ بِأَكْثَرِهِمْ مَعْرِفَةٌ، وَأَمَّا الصَّدِيقُ: فَأَعَزُّ مِنْ بَيْضِ الْأَنُوقِ.
وَمِنْ ذَلِكَ: (الْأَلْبَابُ) لَمْ يَقَعْ إِلَّا مَجْمُوعًا؛ لِأَنَّ مُفْرَدَهُ ثَقِيلٌ لَفْظًا.
وَمِنْ ذَلِكَ مَجِيءُ (الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) بِالْإِفْرَادِ وَالتَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ أَيْ فِي الْقُرْآنِ وَالسِّرِّ فِي ذَلِكَ، فَحَيْثُ أُفْرِدَا فَاعْتِبَارًا لِلْجِهَةِ، وَحَيْثُ ثُنِّيَا فَاعْتِبَارًا لِمَشْرِقِ الصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ وَمَغْرِبِهِمَا، وَحَيْثُ جُمِعَا فَاعْتِبَارًا لِتَعَدُّدِ الْمَطَالِعِ فِي كُلِّ فَصْلٍ مِنْ فَصْلَيِ السَّنَةِ.
وَأَمَّا وَجْهُ اخْتِصَاصِ كُلِّ مَوْضُوعٍ بِمَا وَقَعَ فِيه: فَفِي سُورَةِ الرَّحْمَةِ وَقَعَ بِالتَّثْنِيَةِ؛ لِأَنَّ سِيَاقَ السُّورَةِ سِيَاقُ الْمُزْدَوِجَيْنِ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ذَكَرَ أَوَّلًا نَوْعَيِ الْإِيجَادِ وَهُمَا الْخَلْقُ وَالتَّعْلِيمُ. ثُمَّ ذَكَرَ سِرَاجَيِ الْعَالَم: الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ. ثُمَّ نَوْعَيِ النَّبَات: مَا كَانَ عَلَى سَاقٍ وَمَا لَا سَاقَ لَهُ، وَهُمَا النَّجْمُ وَالشَّجَرُ، ثُمَّ نَوْعَيِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ. ثُمَّ نَوْعَيِ الْعَدْلِ وَالظُّلْمِ. ثُمَّ نَوْعَيِ الْخَارِجِ مِنَ الْأَرْضِ وَهُمَا الْحُبُوبُ وَالرَّيَاحِينُ. ثُمَّ نَوْعَيِ الْمُكَلَّفِينَ وَهُمَا: الْإِنْسُ وَالْجَانُّ. ثُمَّ نَوْعَيِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، ثُمَّ نَوْعَيِ الْبَحْرِ الْمِلْحِ وَالْعَذْبِ؛ فَلِهَذَا حَسُنَ تَثْنِيَةُ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ، وَجُمِعَا فِي قوله: {فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ} [الْمَعَارِج: 40]، وَفِي سُورَةِ الصَّافَّاتِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى سَعَةِ الْقُدْرَةِ وَالْعَظَمَةِ.
فَائِدَةٌ:
حَيْثُ وَرَدَ (الْبَارُّ) مَجْمُوعًا فِي صِفَةِ الْآدَمِيِّينَ قِيلَ: (أَبْرَارٌ). وَفِي صِفَةِ الْمَلَائِكَةِ قِيلَ: (بَرَرَةٌ). ذَكَرَهُ الرَّاغِبُ، وَوَجْهُهُ: بِأَنَّ الثَّانِيَ أَبْلَغُ؛ لِأَنَّهُ جَمْعُ بَارٍّ، وَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ (بَرٍّ) مُفْرَدِ الْأَوَّلِ.
وَحَيْثُ وَرَدَ (الْأَخُ) مَجْمُوعًا فِي النَّسَبِ قِيلَ: (إِخْوَةٌ). وَفِي الصَّدَاقَةِ قِيلَ: (إِخْوَانٌ) قَالَهُ ابْنُ فَارِسٍ وَغَيْرُهُ. وَأُورِدَ عَلَيْهِ فِي الصَّدَاقَة: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الْحُجُرَات: 10]. وَفِي النَّسَب: {أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ} [النُّور: 31].
فَائِدَةٌ: أَلَّفَ أَبُو الْحَسَنِ الْأَخْفَشُ كِتَابًا فِي الْإِفْرَادِ وَالْجَمْعِ، ذَكَرَ فِيهِ جَمْعَ مَا وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ مُفْرَدًا، وَمُفْرَدَ مَا وَقَعَ جَمْعًا، وَأَكْثَرُهُ مِنَ الْوَاضِحَاتِ، وَهَذِهِ أَمْثِلَةٌ مِنْ خَفِيِّ ذَلِكَ:
(الْمَنُّ): لَا وَاحِدَ لَهُ. (السَّلْوَى): لَمْ يُسْمَعْ لَهُ بِوَاحِدٍ. (النَّصَارَى) قِيلَ: جَمْعُ نَصْرَانِيٍّ وَقِيلَ: جَمْعُ نَصِيرٍ كَنَدِيمٍ وَقَبِيلٍ. (الْعَوَانُ) جَمْعُهُ عَوْنٌ. (الْهُدَى) لَا وَاحِدَ لَهُ. (الْإِعْصَارُ) جَمْعُهُ أَعَاصِيرُ. (الْأَنْصَارُ) وَاحِدُهُ نَصِيرٌ، كَشَرِيفٍ وَأَشْرَافٍ. (الْأَزْلَامُ) وَأَحَدُهَا زَلَمٌ، وَيُقَالُ: زُلَمٌ بِالضَّمِّ. (مِدْرَارًا) جَمْعُهُ مَدَارِيرُ. (أَسَاطِيرُ:): وَاحِدُهُ أُسْطُورَةٌ، وَقِيلَ: أَسْطَارُ، جَمْعُ سَطْرٍ. (الصُّورُ): جَمْعُ صُورَةٍ، وَقِيلَ: وَاحِدُ الْأَصْوَارِ. (فُرَادَى): جَمْعُ أَفْرَادٍ، جَمْعُ فَرْدٍ.
(قِنْوَانٌ): جَمْعُ قِنْوٍ، وَ(صِنْوَانٌ): جَمْعُ صِنْوٍ، وَلَيْسَ فِي اللُّغَةِ جَمْعٌ وَمُثَنًّى بِصِيغَةٍ وَاحِدَةٍ إِلَّا هَذَانِ، وَلَفْظٌ ثَالِثٌ لَمْ يَقَعْ فِي الْقُرْآنِ، قَالَهُ ابْنُ خَالَوَيْهِ فِي كِتَابِ (لَيْسَ).
(الْحَوَايَا): جَمْعُ حَاوِيَةٍ، وَقِيلَ: حَاوِيَاءُ. (نُشُرًا): جَمْعُ نُشُورٍ. {عِضِينَ} [الْحِجْر: 91] وَ{عِزِينَ} [الْمَعَارِج: 37]. جَمْعُ عِضَةٍ وَعِزَةٍ. {الْمَثَانِي} [الْحِجْر: 87] جَمْعُ مَثْنًى. (تَارَةً) [الْإِسْرَاء: 69] جَمْعُهَا تَارَاتٌ وَتِيَرٌ. {أَيْقَاظًا} [الْكَهْف: 18] جَمْعُ يَقِظٍ (الْأَرَائِكِ) جَمْعُ أَرِيكَةٍ (سَرِيٌّ) جَمْعُهُ سِرْيَانٌ، كَخَصِيِّ وَخِصْيَانٍ (آنَاءِ اللَّيْلِ) جَمْعُ إِنَا- بِالْقَصْرِ- كَمِعًى، وَقِيلَ: إِنْيٌ كَقِرْدٍ، وَقِيلَ: إِنْوَةٌ كَفِرْقَةٍ. (الصَّيَاصِي) جَمْعُ صَيْصِيَةٍ. (مِنْسَأَةٌ) جَمْعُهَا مَنَاسِئٌ. {الْحَرُورُ} [فَاطِرٍ: 21] جَمْعُهُ حُرُورٌ، بِالضَّمِّ. {وَغَرَابِيبُ} [فَاطِرٍ: 27] جَمْعُ غِرْبِيبٍ، {أَتْرَابٌ} [ص: 52] جَمْعُ تِرْبٍ (الْآلَاءُ) جَمْعُ إِلًى كَمِعًى، وَقِيلَ: أُلَى كَقَفَى.
وَقِيلَ: إِلْيٌ كَقِرْدٍ، وَقِيلَ: أَلَوٌ. {التَّرَاقِيَ} [الْقِيَامَة: 26] جَمْعُ تَرْقُوَةٍ، بِفَتْحِ أَوَّلِهِ (الْأَمْشَاجُ) جَمْعُ مَشِيجٍ. {أَلْفَافًا} [النَّبَإ: 16] جَمْعُ لِفٍّ، بِالْكَسْرِ. {الْعِشَارُ} [التَّكْوِير: 4] جَمْعُ عُشَرٍ. {بِالْخُنَّسِ} [التَّكْوِير: 15] جَمْعُ خَانِسَةٍ، وَكَذَا {الْكُنَّسِ} [التَّكْوِير: 16]. {الزَّبَانِيَةَ} [الْعَلَق: 18] جَمْعُ زِبْنِيَةٍ، وَقِيلَ: زَابِنٌ، وَقِيلَ: زَبَانِي {أَشْتَاتًا} [النُّور: 61] جَمْعُ شَتٍّ وَشَتِيتٍ. {أَبَابِيلَ} [الْفِيل: 3] لَا وَاحِدَ لَهُ، وَقِيلَ: وَاحِدُهُ إِبَّوْلٌ مِثْلَ عِجَّوْلٍ، وَقِيلَ: إِبِّيلٌ مِثْلُ إِكْلِيلٌ.
فَائِدَةٌ:
لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْمَعْدُولَةِ إِلَّا أَلْفَاظُ الْعَدَد: (مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ) [النِّسَاء: 3]. [فَاطِرٍ: 1] وَمِنْ غَيْرِهَا(طُوًى) [طه: 12] فِيمَا ذَكَرَهُ الْأَخْفَشُ فِي الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ، وَمِنَ الصِّفَات: أُخَرُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آلِ عِمْرَانَ: 7].
قَالَ الرَّاغِبُ: وَغَيْرُهُ هِيَ مَعْدُولَةٌ عَنْ تَقْدِيرِ مَا فِيهِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ، وَلَيْسَ لَهُ نَظِيرٌ فِي كَلَامِهِمْ، فَإِنَّ (أَفْعَلَ) إِمَّا أَنْ يُذْكَرَ مَعَهُ (مِنْ) لَفْظًا أَوْ تَقْدِيرًا، فَلَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ وَلَا يُؤَنَّثُ وَتُحْذَفُ مِنْهُ (مِنْ) فَتَدْخُلُ عَلَيْهِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ، وَيُثَنَّى وَيُجْمَعُ وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ مِنْ بَيْنِ أَخَوَاتِهَا جُوِّزَ فِيهَا ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ.
وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَة: لَا يَمْتَنِعُ كَوْنُهَا مَعْدُولَةً عَنِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ مَعَ كَوْنِهَا وَصْفًا لِنَكِرَةٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُقَدَّرٌ مِنْ وَجْهٍ وَغَيْرُ مُقَدَّرٍ مِنْ وَجْهٍ.
قَاعِدَةٌ:
مُقَابَلَةُ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ تَارَةً تَقْتَضِي مُقَابَلَةَ كُلِّ فَرْدٍ مِنْ هَذَا بِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ هَذَا، كَقَوْلِه: {وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ} [نُوحٍ: 7] أَيْ: اسْتَغْشَى كُلٌّ مِنْهُمْ ثَوْبَهُ.
{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النِّسَاء: 23] أَيْ: عَلَى كُلٍّ مِنَ الْمُخَاطَبِينَ أُمُّهُ.
{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النِّسَاء: 11] أَيْ: كُلًّا فِي أَوْلَادِهِ.
{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ} [الْبَقَرَة: 233] أَيْ: كُلُّ وَاحِدَةٍ تُرْضِعُ وَلَدَهَا.
وَتَارَةً يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْجَمْعِ لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ، نَحْوَ: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النُّور: 4] وَجَعَلَ مِنْهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّين: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ} [الْبَقَرَة: 25].
وَتَارَةً يَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ، فَيَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ يُعَيِّنُ أَحَدَهُمَا:
وَأَمَّا مُقَابَلَةُ الْجَمْعِ بِالْمُفْرَد: فَالْغَالِبُ أَلَّا يَقْتَضِيَ تَعْمِيمَ الْمُفْرَدِ، وَقَدْ يَقْتَضِيهِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [الْبَقَرَة: 184] الْمَعْنَى: عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ لِكُلِّ يَوْمٍ طَعَامُ مِسْكِينٍ، {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النُّور: 4]؛ لِأَنَّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ذَلِكَ.

.قَاعِدَةٌ: فِي الْأَلْفَاظِ الَّتِي يُظَنُّ بِهَا التَّرَادُفُ وَلَيْسَتْ مِنْهُ:

مِنْ ذَلِكَ (الْخَوْفُ وَالْخَشْيَةُ فِي الْقُرْآنِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا) لَا يَكَادُ اللُّغَوِيُّ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْخَشْيَةَ أَعْلَى مِنْهُ، وَهِيَ أَشَدُّ الْخَوْفِ؛فَإِنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: شَجَرَةٌ خَشِيَّةٌ، أَيْ: يَابِسَةٌ، وَهُوَ فَوَاتٌ بِالْكُلِّيَّةِ. وَالْخَوْفُ مِنْ نَاقَةٍ خَوْفَاءَ، أَيْ: بِهَا دَاءٌ، وَهُوَ نَقْصٌ، وَلَيْسَ بِفَوَاتٍ؛ وَلِذَلِكَ خُصَّتِ الْخَشْيَةُ بِاللَّهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ} [الرَّعْد: 21].
وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا أَيْضًا بِأَنَّ الْخَشْيَةَ تَكُونُ مِنْ عِظَمِ الْمُخْتَشَى، وَإِنْ كَانَ الْخَاشِي قَوِيًّا، وَالْخَوْفُ يَكُونُ مِنْ ضَعْفِ الْخَائِفِ وَإِنْ كَانَ الْمَخُوفُ أَمْرًا يَسِيرًا. وَيَدُلُّ لِذَلِكَ أَنَّ الْخَاءَ وَالشِّينَ وَالْيَاءَ فِي تَقَالِيبِهَا تَدُلُّ عَلَى الْعَظَمَةِ، نَحْوَ: شَيْخٌ لِلسَّيِّدِ الْكَبِيرِ، وَخَيْشٌ لِمَا غَلُظَ مِنَ اللِّبَاسِ، وَلِذَا وَرَدَتِ الْخَشْيَةُ غَالِبًا فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى نَحْوَ: {مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [الْبَقَرَة: 74]، {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فَاطِرٍ: 28]. وَأَمَّا {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النَّحْل: 50]. فَفِيهِ نُكْتَةٌ لَطِيفَةٌ، فَإِنَّهُ فِي وَصْفِ الْمَلَائِكَةِ، وَلَمَّا ذَكَرَ قُوَّتَهُمْ وَشِدَّةَ خَلْقِهِمْ عَبَّرَ عَنْهُمْ بِالْخَوْفِ، لِبَيَانِ أَنَّهُمْ وَإِنْ كَانُوا غِلَاظًا شِدَادًا فَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ تَعَالَى ضُعَفَاءُ، ثُمَّ أَرْدَفَهُ بِالْفَوْقِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْعَظَمَةِ، فَجَمَعَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، وَلَمَّا كَانَ ضَعْفُ الْبَشَرِ مَعْلُومًا لَمْ يَحْتَجْ إِلَى التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ.
وَمِنْ ذَلِكَ (الشُّحُّ وَالْبُخْلُ فِي الْقُرْآنِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمْ) وَالشُّحُّ هُوَ أَشَدُّ الْبُخْلِ. قَالَ الرَّاغِبُ: الشُّحُّ بُخْلٌ مَعَ حِرْصٍ.
وَفَرَّقَ الْعَسْكَرِيُّ بَيْنَ الْبُخْلِ وَ(الضَّنِّ): بِأَنَّ الضَّنَّ أَصْلُهُ أَنْ يَكُونَ بِالْعَوَارِي وَالْبُخْلَ بِالْهِبَاتِ، وَلِهَذَا يُقَالُ: هُوَ ضَنِينٌ بِعِلْمِهِ وَلَا يُقَالُ بَخِيلٌ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْعَارِيَةِ أَشْبَهُ مِنْهُ بِالْهِبَةِ؛ لِأَنَّ الْوَاهِبَ إِذَا وَهَبَ شَيْئًا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ، بِخِلَافِ الْعَارِيَةِ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} [التَّكْوِير: 24] وَلَمْ يَقُلْ: بِبَخِيلٍ.
وَمِنْ ذَلِكَ (السَّبِيلُ وَالطَّرِيقُ فِي الْقُرْآنِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمْ) وَالْأَوَّلُ أَغْلَبُ وُقُوعًا فِي الْخَيْرِ، وَلَا يَكَادُ اسْمُ الطَّرِيقِ يُرَادُ بِهِ الْخَيْرُ إِلَّا مَقْرُونًا بِوَصْفٍ أَوْ إِضَافَةٍ تُخَلِّصُهُ لِذَلِكَ، كَقوله: {يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ} [الْأَحْقَاف: 30] وَقَالَ الرَّاغِبُ: السَّبِيلُ الطَّرِيقُ الَّتِي فِيهَا سُهُولَةٌ، فَهُوَ أَخَصُّ.
وَمِنْ ذَلِكَ (جَاءَ وَأَتَى فِي الْقُرْآنِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمْ) فَالْأَوَّلُ: يُقَالُ فِي الْجَوَاهِرِ وَالْأَعْيَانِ، وَالثَّانِي: فِي الْمَعَانِي وَالْأَزْمَانِ، وَلِهَذَا وَرَدَ (جَاءَ) فِي قَوْلِه: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بِعِيرٍ} [يُوسُفَ: 72]، {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} [يُوسُفَ: 18]، {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ} [الْفَجْر: 23] وَ(أَتَى) فِي: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} [النَّحْل: 1]، {أَتَاهَا أَمْرُنَا} [يُونُسَ: 24].
وَأَمَّا (وَجَاءَ رَبُّكَ) [الْفَجْر: 22] أَيْ: أَمْرُهُ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَهْوَالُ الْقِيَامَةِ الْمُشَاهَدَةُ، وَكَذَا {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ} [الْأَعْرَاف: 34]؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ كَالْمُشَاهَدَةِ، وَلِهَذَا عَبَّرَ عَنْهُ بِالْحُضُورِ فِي قَوْلِه: {حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} [الْبَقَرَة: 180]. وَلِهَذَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي قَوْلِه: {جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ} [الْحِجْر: 63- 64]؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ الْعَذَابُ وَهُوَ مُشَاهَدٌ مَرْئِيٌّ، بِخِلَافِ الْحَقِّ.
وَقَالَ الرَّاغِبُ: الْإِتْيَانُ: مَجِيءٌ بِسُهُولَةٍ، فَهُوَ أَخَصُّ مِنْ مُطْلَقِ الْمَجِيءِ، قَالَ: وَمِنْهُ قِيلَ: لِلسَّائِلِ الْمَارِّ عَلَى وَجْهِه: أَتِيٌّ وَأَتَاوِيٌّ.
وَمِنْ ذَلِكَ (مَدَّ وَأَمَدَّ فِي الْقُرْآنِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمْ) قَالَ الرَّاغِبُ: أَكْثَرُ مَا جَاءَ الْإِمْدَادُ فِي الْمَحْبُوبِ، نَحْوَ: {وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ} [الطَّوْر: 22]. وَالْمَدُّ فِي الْمَكْرُوهِ، نَحْوَ: {وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا} [مَرْيَمَ: 79].
وَمِنْ ذَلِكَ (سَقَى وَأَسْقَى فِي الْقُرْآنِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمْ) فَالْأَوَّلُ: لِمَا لَا كُلْفَةَ فِيهِ، وَلِهَذَا ذُكِرَ فِي شَرَابِ الْجَنَّةِ نَحْوَ: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا} [الْإِنْسَان: 21]. وَالثَّانِي: لِمَا فِيهِ كُلْفَةٌ، وَلِهَذَا ذُكِرَ فِي مَاءِ الدُّنْيَا، نَحْوَ: {لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} [الْجِنّ: 16].
وَقَالَ الرَّاغِبُ: الْإِسْقَاءُ أَبْلَغُ مِنَ السَّقْيِ؛ لِأَنَّ الْإِسْقَاءَ أَنْ يُجْعَلَ لَهُ مَا يَسْقِي مِنْهُ وَيَشْرَبُ، وَالسَّقْيَ أَنْ يُعْطِيَهُ مَا يَشْرَبُ.
وَمِنْ ذَلِكَ (عَمِلَ وَفَعَلَ فِي الْقُرْآنِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمْ) فَالْأَوَّلُ: لِمَا كَانَ مِنِ امْتِدَادِ زَمَانٍ؛ نَحْوَ: {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ} [سَبَإٍ: 13]. {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} [يس: 71]؛ لِأَنَّ خَلْقَ الْأَنْعَامِ وَالثِّمَارِ وَالزُّرُوعِ بِامْتِدَادٍ. وَالثَّانِي: بِخِلَافِهِ، نَحْوَ: {كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [الْفِيل: 1]. {كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ} [الْفَجْر: 6]. {كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ} [إِبْرَاهِيمَ: 45]؛ لِأَنَّهَا إِهْلَاكَاتٌ وَقَعَتْ مِنْ غَيْرِ بُطْءٍ، {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النَّحْل: 50] أَيْ: فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ.
وَلِهَذَا عَبَّرَ بِالْأَوَّل: فِي قَوْلِه: {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [الْبَقَرَة: 25] حَيْثُ كَانَ الْمَقْصُودُ الْمُثَابَرَةَ عَلَيْهَا لَا الْإِتْيَانَ بِهَا مَرَّةً أَوْ بِسُرْعَةٍ، وَبِالثَّانِي: فِي قَوْلِه: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} [الْحَجّ: 77] حَيْثُ كَانَ بِمَعْنَى سَارِعُوا كَمَا قَالَ، {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [الْبَقَرَة: 148]. وَقَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 4] حَيْثُ كَانَ الْقَصْدُ يَأْتُونَ بِهَا عَلَى سُرْعَةٍ مِنْ غَيْرِ تَوَانٍ.
وَمِنْ ذَلِكَ (الْقُعُودُ وَالْجُلُوسُ فِي الْقُرْآنِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمْ) فَالْأَوَّلُ: لِمَا فِيهِ لُبْثٌ، بِخِلَافِ الثَّانِي. وَلِهَذَا يُقَالُ: قَوَاعِدُ الْبَيْتِ وَلَا يُقَالُ جَوَالِسُهُ، لِلُزُومِهَا وَلُبْثِهَا، وَيُقَالُ: جَلِيسُ الْمَلِكِ، وَلَا يُقَالُ قَعِيدُهُ؛ لِأَنَّ مَجَالِسَ الْمُلُوكِ يُسْتَحَبُّ فِيهَا التَّخْفِيفُ.
وَلِهَذَا اسْتُعْمِلَ الْأَوَّلُ: فِي قوله: {مَقْعَدِ صِدْقٍ} [الْقَمَر: 55]، لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّهُ لَا زَوَالَ لَهُ، بِخِلَاف: {تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ} [الْمُجَادَلَة: 11] لِأَنَّهُ يُجْلَسُ فِيهِ زَمَانًا يَسِيرًا.
وَمِنْ ذَلِكَ (التَّمَامُ وَالْكَمَالُ فِي الْقُرْآنِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمْ) وَقَدِ اجْتَمَعَا فِي قَوْلِهِ (أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) [الْمَائِدَة: 3]. فَقِيلَ: الْإِتْمَامُ لِإِزَالَةِ نُقْصَانِ الْأَصْلِ، وَالْإِكْمَالُ لِإِزَالَةِ نُقْصَانِ الْعَوَارِضِ بَعْدَ تَمَامِ الْأَصْلِ، وَلِهَذَا كَانَ قَوْلُهُ: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [الْبَقَرَة: 196] أَحْسَنَ مِنْ (تَامَّةٍ) فَإِنَّ التَّمَامَ مِنَ الْعَدَدِ قَدْ عُلِمَ، وَإِنَّمَا نَفَى احْتِمَالَ نَقْصٍ فِي صِفَاتِهَا.
وَقِيلَ: (تَمَّ) يُشْعِرُ بِحُصُولِ نَقْصٍ قَبْلَهُ، وَ(كَمُلَ) لَا يُشْعِرُ بِذَلِكَ.
وَقَالَ الْعَسْكَرِيُّ: الْكَمَالُ اسْمٌ لِاجْتِمَاعِ أَبْعَاضِ الْمَوْصُوفِ بِهِ، وَالتَّمَامُ اسْمٌ لِلْجُزْءِ الَّذِي يَتِمُّ بِهِ الْمَوْصُوفُ، وَلِهَذَا يُقَالُ: الْقَافِيَةُ تَمَامُ الْبَيْتِ، وَلَا يُقَالُ: كَمَالُهُ، وَيَقُولُونَ: الْبَيْتُ بِكَمَالِهِ، أَيْ: بِاجْتِمَاعِهِ.
وَمِنْ ذَلِكَ (الْإِعْطَاءُ وَالْإِيتَاءُ فِي الْقُرْآنِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمْ) قَالَ الْخَوْبِيُّ: لَا يَكَادُ اللُّغَوِيُّونَ يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُمَا وَظَهَرَ لِي بَيْنَهُمَا فَرْقٌ يُنْبِئُ عَنْ بَلَاغَةِ كِتَابِ اللَّهِ، وَهُوَ أَنَّ الْإِيتَاءَ أَقْوَى مِنَ الْإِعْطَاءِ فِي إِثْبَاتِ مَفْعُولِهِ؛ لِأَنَّ الْإِعْطَاءَ لَهُ مُطَاوِعٌ، تَقُولُ أَعْطَانِي فَعُطَوْتُ، وَلَا يُقَالُ فِي الْإِيتَاء: آتَانِي فَأُتِيتُ، وَإِنَّمَا يُقَالُ: آتَانِي فَأَخَذْتُ. وَالْفِعْلُ الَّذِي لَهُ مُطَاوِعٌ أَضْعَفُ فِي إِثْبَاتِ مَفْعُولِهِ مِنَ الْفِعْلِ الَّذِي لَا مُطَاوِعَ لَهُ لِأَنَّكَ تَقُولُ: قَطَعْتُهُ فَانْقَطَعَ، فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ فِعْلَ الْفَاعِلِ كَانَ مَوْقُوفًا عَلَى قَبُولٍ فِي الْمَحَلِّ، لَوْلَاهُ مَا ثَبَتَ الْمَفْعُولُ، وَلِهَذَا يَصِحُّ قَطَعْتُهُ فَمَا انْقَطَعَ، وَلَا يَصِحُّ فِيمَا لَا مُطَاوِعَ لَهُ ذَلِكَ، فَلَا يَجُوزُ ضَرَبْتُهُ فَانْضَرَبَ، أَوْ فَمَا انْضَرَبَ، وَلَا قَتَلْتُهُ فَانْقَتَلَ، وَلَا فَمَا انْقَتَلَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ أَفْعَالٌ إِذَا صَدَرَتْ مِنَ الْفَاعِلِ ثَبَتَ لَهَا الْمَفْعُولُ فِي الْمَحَلِّ، وَالْفَاعِلُ مُسْتَقِلٌّ بِالْأَفْعَالِ الَّتِي لَا مُطَاوِعَ لَهَا، فَالْإِيتَاءُ أَقْوَى مِنَ الْإِعْطَاءِ.
قَالَ: وَقَدْ تَفَكَّرْتُ فِي مَوَاضِعَ مِنَ الْقُرْآنِ فَوَجَدْتُ ذَلِكَ مُرَاعًى، قَالَ تَعَالَى: {تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ} [آلِ عِمْرَانَ: 26]؛ لِأَنَّ الْمُلْكَ شَيْءٌ عَظِيمٌ لَا يُعْطَاهُ إِلَّا مَنْ لَهُ قُوَّةٌ، وَكَذَا {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ} [الْبَقَرَة: 269]. {آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي} [الْحِجْر: 87] لِعِظَمِ الْقُرْآنِ وَشَأْنِهِ.
وَقَالَ: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الْكَوْثَر: 1]: لِأَنَّهُ مَوْرُودٌ فِي الْمَوْقِفِ مُرْتَحَلٌ عَنْهُ، قَرِيبٌ إِلَى مَنَازِلِ الْعِزِّ فِي الْجَنَّةِ، فَعَبَّرَ فِيهِ بِالْإِعْطَاءِ؛ لِأَنَّهُ يُتْرَكُ عَنْ قُرْبٍ وَيُنْتَقَلُ إِلَى مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ.
وَكَذَا: {يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضُّحَى: 5]، لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْرِيرِ الْإِعْطَاءِ وَالزِّيَادَةِ إِلَى أَنْ يَرْضَى كُلَّ الرِّضَا؛ وَهُوَ مُفَسَّرٌ- أَيْضًا- بِالشَّفَاعَةِ، وَهِيَ نَظِيرُ الْكَوْثَرِ فِي الِانْتِقَالِ بَعْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ مِنْهُ.
وَكَذَا: {أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ} [طَه: 50] لِتَكَرُّرِ حُدُوثِ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ الْمَوْجُودَاتِ.
{حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [التَّوْبَة: 29]؛ لِأَنَّهَا مَوْقُوفَةٌ عَلَى قَبُولٍ مِنَّا، وَإِنَّمَا يُعْطَوْنَهَا عَنْ كُرْهٍ.
فَائِدَةٌ:
قَالَ الرَّاغِبُ: خُصَّ دَفْعُ الصَّدَقَةِ فِي الْقُرْآنِ بِالْإِيتَاءِ، نَحْوَ: {وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ} [الْبَقَرَة: 277]. {وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ} [الْبَقَرَة: 177].
قَالَ: وَكُلُّ مَوْضِعٍ ذُكِرَ فِي وَصْفِ الْكِتَابِ (آتَيْنَا) فَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ كُلِّ مَوْضِعٍ ذُكِرَ فِيهِ (أُوتُوا)؛ لِأَنَّ (أُوتُوا) قَدْ يُقَالُ إِذَا أُوتِيَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ قَبُولٌ، وَ(آتَيْنَاهُمْ) يُقَالُ فِيمَنْ كَانَ مِنْهُ قَبُولٌ.
وَمِنْ ذَلِكَ (السَّنَةُ وَالْعَامُ فِي الْقُرْآنِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمْ) قَالَ الرَّاغِبُ: الْغَالِبُ اسْتِعْمَالُ السَّنَةِ فِي الْحَوْلِ الَّذِي فِيهِ الشِّدَّةُ وَالْجَدْبُ، وَلِهَذَا يُعَبَّرُ عَنِ الْجَدْبِ بِالسَّنَةِ. وَالْعَامُ مَا فِيهِ الرَّخَاءُ وَالْخِصْبُ، وَبِهَذَا تَظْهَرُ النُّكْتَةُ فِي قَوْلِه: {أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} [الْعَنْكَبُوت: 14] حَيْثُ عَبَّرَ عَنِ الْمُسْتَثْنَى بِالْعَامِ وَعَنِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ بِالسَّنَةِ.